فصل: الخبر عن ملوك كندة من هذه الطبقة ومبدأ أمرهم وتصاريف أحوالهم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن ملوك كندة من هذه الطبقة ومبدأ أمرهم وتصاريف أحوالهم:

قال الطبري عن هشام بن محمد الكلبي: كان يخدم ملوك حمير أبناء الأشراف من حمير وغيرهم وكان ممن يخدم حسان بن تبع عمرو بن حجر سيد كندة لوقته وأبوه حجر هو الذي تسميه العرب آكل المرار وهو حجر بن عمرو بن معاوية بن الحرث الأصغر ابن معاوية بن الحرث الأكبر ابن معاوية بن كندة وكان أخا حسان بن تبع لأمه فلما دوخ حسان بلاد العرب وسار في الحجاز وهم بالانصراف ولى على معد بن عدنان كلها أخا حجر بن عمرو هذا وهو آكل المرار فدانوا له وسار فيهم أحسن سيرة ثم هلك وملك من بعده ابنه عمرو المقصور.
قال الطبري عن هشام: ولما سار حسان إلى جديس خلفه على بعض أمور ملكه في حمير فلما قتل حسان وولي بعده أخوه عمرو بن تبع وكان ذا رأي ونبل فأراد أن يكرم عمرو بن حجر بما نقصه من ابن أخيه حسان فزوجه بنت أخيه حسان بن تبع وتكلمت حمير في ذلك وكان عندهم من الأحداث التي ابتلوا بها أن يتزوج في ذلك البيت أحد من العرب سواهم فولدت بنت حسان لعمرو بن حجر الحرث بن عمرو وملك بعد عمرو بن تبع عبد كلال بن متون أصغر أولاد حسان واستهوت الجن منهم تبع بن حسان فولوا عبد كلال مخافة أن يطمع في ملكهم أحد من بيت الملك فولي عبد كلال لسرورحمة وكان على دين النصرانية الأولى وكان ذلك يسوء قومه ودعا إليه رجل من غسان قدم عليه من الشام ووثب حمير بالغساني فقتلوه ثم رجع تبع بن حسان من استهواء الجن وهو أعلم الناس بنجم وأعقل من يعلم في زمانه وأكثرهم حديثا عما كان ويكون فملك على حمير وهابته حمير والعرب وبعث بابن أخته الحرث بن عمرو بن حجر الكندي في جيش عظيم إلى بلاد معد والحيرة وما والاها فسار إلى النعمان بن امرئ القيس بن الشقيقة فقاتله فقتل النعمان وعدة من أهل بيته وهزم أصحابه وأفلت المنذر بن النعمان الأكبر وأمه ماء السماء امرأة من النمر بن قاسط وذهب ملك آل النعمان وملك الحرث بن عمرو وما كانوا يملكون.
وفي كتاب الأغاني قال: لما ملك قباذ وكان ضعيف الملك توثبت العرب على المنذر الأكبر ابن ماء السماء وهو ذو القرنين ابن النعمان بن الشقيقة فأخرجوه وإنما سمي ذا القرنين لذؤابتين كانتا له فخرج هاربا منهم حتى مات في إياد وترك ابنه المنذر الأصغر فيهم وكان أنكى ولده وجاءوا بالحرث بن عمرو بن حجر آكل المرار فملكوه على بكر وحشدوا له وقاتلوا معه وظهر على من قاتله من العرب وأبى قباذ أن يمد المنذر بجيش فلما رأى ذلك كتب إلى الحرث بن عمرو: إني في غير قومي وأنت أحق من ضمني وأنا متحول إليك فحوله وزوجه بنته هندا.
وقال غير هشام بن محمد: أن الحرث بن عمرو لما ولي على العرب بعد أبيه اشتدت وطأته وعظم بأسه ونازع ملوك الحيرة وعليهم يومئذ المنذر بن امرئ القيس وبين لهم إذ ولي كسرى قباذ بعد أبيه فيروز بن يزدجرد وكان زنديقا على رأي ماني فدعا المنذر إلى رأيه فأبى عليه وأجابه الحرث بن عمرو فملكه على العرب وأنزله بالحيرة ثم هلك قباذ وولي ابنه أنوشروان فرد ملك الحيرة إلى المنذر وصالحه الحرث على أن له ما وراء نهر السواد فاقتسما ملك العرب وفرق الحرث ولده في معد فملك حجرا على بني أسد وشرحبيل على بني سعد والرباب وسلمة على بكر وتغلب ومعد يكرب على قيس وكنانة ويقال: بل كان سلمة على حنظلة وتغلب وشرحبيل على سعد والرباب وبكر وكان قيس بن الحرث سيارة أي قوم نزل بهم فهو ملكهم وفي كتاب الأغاني إنه ملك ابنه شرحبيل على بكر بن وائل وحنظلة على بني أسد وطوائف من بني عمرو بن تميم والرباب وغلفا وهو معد يكرب على قيس وسلمة بن الحرث على بني تغلب والنمر بن قاسط والنمر بن زيد مناة أه كلام الأغاني فأما شرحبيل: فإنه فسد ما بينه وبين أخيه سلمة واقتتلوا بالكلاب ما بين البصرة والكوفة على سبع من اليمامة وعلى تغلب السفاح وهو سلمة بن خالد بن كعب بن زهير بن تميم بن أسامة بن مالك بن بكر بن حبيب وسبق إلى الكلاب سفيان بن مجاشع بن دارم من أصحاب سلمة في تغلب مع إخوته لأمه ثم ورد سلمة وأصحابه فاقتتلوا عامة يومهم وخذلت بنو حنظلة وعمرو بن تميم والرباب بكر بن وائل وانصرف بنو سعد وأتباعها عن تغلب وصبر بنو بكر وتغلب ليس معهم غيرهم إلى الليل ونادى منادي سلمة في ذلك اليوم من يقتل شرحبيل ولقاتله مائة من الإبل فقتل شرحبيل في ذلك اليوم قتله عصيم بن النعمان بن مالك بن غياث بن سعد بن زهير بن بكر بن حبيب التغلبي وبلغ الخبر إلى أخيه معد يكرب فاشتد جزعه وحزنه على أخيه وزاد ذلك حتى اعتراه منه وسواس هلك به وكان معتزلا عن الحرث ومنع بنو سعد بن زيد مناة عيال شرحبيل وبعثوا بهم إلى قومهم فعل ذلك عوف بن شحنة بن الحرث بن عطارد بن عوف بن معد بن كعب وأما سلمة فإنه فلج فمات.
وأما حجر بن الحرث: فلم يزل أميرا على بني أسد إلى أن بعث رسله في بعض الأيام لطلب الأتاوة من بني أسد فمنعوها وضربوا الرسل وكان حجر بتهامة فبلغه الخبر فسار إليهم في ربيعة وقيس وكنانة فاستباحهم وقتل أشرافهم وسرواتهم وحبس عبيد ابن الأبرص في جمع منهم فاستعطفه بشعر بعث به إليه فسرحه وأصحابه وأوفدهم فلما بلغوا إليه هجموا عليه ببيته فقتلوه وتولى قتله علباء بن الحرث الكاهلي كان حجر قتل أباه وبلغ الخبر امرئ القيس فحلف أن لا يقرب لذة حتى يدرك بثأره من بني أسد وسار صريخا إلى بني بكر وتغلب فنصروه وأقبل بهم فأجفل بنو أسد وسار إلى المنذر بن امرئ القيس ملك الحيرة وأوقع امرؤ القيس في كنانة فأثخن فيهم ثم سار في اتباع بني أسد إلى أن أعيا ولم يظفر منهم بشيء ورجعت عنه بكر وتغلب فسار إلى مؤثر الخبر بن ذي جدن من ملوك حمير صريخا بنصره بخمسمائة رجل من حمير وبجمع من العرب سواهم وجمع المنذر لامرئ القيس ومن معه وأمده كسرى أنوشروان بجيش من الأساورة والتقوا فانهزم امرؤ القيس وفرت حمير ومن كان معه ونجا بدمه وما زال يتنقل في القبائل والمنذر في طلبه وسار إلى قيصر صريخا فأمده ثم سعى به الطماح عند قيصر أنه يشبب ببنته فبعث إليه بحلة مسمومة كان فيها هلاكه ودفن بأنقرة.
قال الجرجاني ولا يعلم لكندة بعد هؤلاء ملوك اجتمع لهم أمرها وأطيع فيها سوى أنهم قد كان لهم رياسة ونباهة وفيهم سؤدد حتى كانت العرب تسميهم كندة الملوك وكانت الرياسة يوم جبلة على العساكر لهم فكان حسان بن عمرو بن الجور على تميم ومعاوية بن شرحبيل بن حصن على بني عامر والجور هو معاوية بن حجر آكل المرار اخو الملك المقصور عمرو بن حجر والله وارث الأرض ومن عليها.
وفي كتاب الأغاني: أن امرئ القيس لما سار إلى الشام نزل على السموأل بن عاديا بالأبلق بعد إيقاعه ببني كنانة على أنهم بنو أسد وتفرق عنه أصحابه كراهية لفعله واحتاج إلى الهرب فطلبه المنذر بن ماء السماء وبعث في طلبه جموعا من إياد وبهرا وتنوخ وجيوشا من الأساورة أمده بهم أنوشروان وخذلته حمير وتفرقوا عنه فالتجأ إلى السموأل ومعه أدراع خمسة مسماة كانت لبني آكل المرار يتوارثونها ومعه بنته هند وابن عمه يزيد بن الحرث بن معاوية بن الحرث ومال وسلاح كان بقي معه والربيع بن ضبع بن نزارة وأشار عليه الربيع بمدح السموأل فمدحه ونزل به فضرب لابنته قبة وأنزل القوم في مجلس له براح فمكثوا ما شاء الله وسأله امرؤ القيس أن يكتب له إن الحرث بن أبي شمر يوصله إلى قيصر ففعل واستصحب رجلا يدله على الطريق وأودع ابنته وماله وأدراعه السموأل وخلف ابن عمه يزيد بن الحرث مع ابنته هند ونزل الحرث بن ظالم غازيا على الأبلق ويقال الحرث بن أبي شمر ويقال ابن المنذر وبعث الحرث بن ظالم ابنه يتصيد ويهدده بقتله فأبى من إخفار ذمته وقتل ابنه فضرب به المثل في الوفاء بذلك.
وأما نسب السموأل فقال ابن خليفة عن محمد بن سالم البيكندي عن الطوسي عن ابن حبيب: إنه السموأل بن عريض بن عاديا بن حيا ويقال إن الناس يدرجون عريضا في النسب ونسبه عمرو بن شبة ولم يذكر عريضا وقال عبد الله بن سعد عن دارم بن عقال: من ولد السموأل بن عاديا بن رفاعة بن ثعلبة بن كعب بن عمرو ابن عامر مزيقيا وهذا عندي مجال لأن الأعشى أدرك سريج بن السموأل وأدرك الإسلام وعمرو مزيقيا قديم لا يجوز أن يكون بينه وبين السموأل ثلاثة آباء ولا عشرة وقد قيل إن أمه من غسان وكلهم قالوا هو صاحب الحصن المعروف بالأبلق بتيما المشهور بالزباء وقيل من ولد الكوهن بن هارون وكان هذا الحصن لجده عاديا واحتفر فيه أروية عذبة وتنزل به العرب فتصيبها وتمتار من حصنه وتقيم هنالك سوقا اهـ كلام الأغاني.
وقال ابن سعيد: كندة لقب لثور بن عفير بن الحرث بن مرة بن أدد بن يشجب بن عبيد الله بن زيد بن كهلان وبلادهم في شرقي اليمن ومدينة ملكهم دمون وتوالى الملك منهم في بني معاوية بن عنزة وكان التبابعة يصاهرونهم ويولونهم على بني معد ابن عدنان بالحجاز فأول من ولي منهم حجر آكل المرار ابن عمرو بن معاوية الأكبر وولاه تبع بن كرب الذي كسا الكعبة وولي بعده ابنه عمرو بن حجر ثم ابنه الحرث المقصور وهو الذي أبى أن يتزنذق مع قباذ ملك الفرس فقتل في بني كلب ونهب ماله وكان قد ولى أولاده على بني معد فقتل أكثرهم وكان على بني أسد منهم حجر بن الحرث فجار عليهم فقتلوه وتجرد للطلب بثأره ابنه امرؤ القيس وسار إلى قيصر فأغراه به الطماح الأسدي وقال: إنه يتغزل ببنات فألبسه حلة مسموح تقطع بها.
وقال صاحب التواريخ إن الملك انتقل بعدهم إلى بني جبلة بن عدي بن ربيعة بن معاوية الأكرمين واشتهر منهم قيس بن معد يكرب بن جبلة ومنه الأعشى وابنته العمردة من مردة الإنس ولها في قتال المسلمين أخبار في الردة وأسلم أخوها الأشعث ثم ارتد بعد الوفاة واعتصم بالحبر ففتحه جيش أبي بكر رضي الله عنه وجيء به إليه أسيرا فمن عليه وزوجه أخته وخرج من نسله بنو الأشعث المذكورون في الدولة الأموية.
ومن بطون كندة السكون والسكاسك وللسكاسك مجالات شرقي اليمن متميزة وهم معروفون بالسحر والكهانة ومنهم تجيب بطن كبير كان منهم بالأندلس بنو صمادح وبنو ذي النون وبنو الأفطس من ملوك الطوائف والله تعالى وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين لا رب غيره.